الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية محمد بوصيري بوعبدلي: قطــــاع التعليــم العالي مهدّد وهـذه هـــي الأســــبــاب

نشر في  18 مارس 2015  (10:48)

 بعد إضراب طويل لطلبة الهندسة اتخذت وزارة التعليم لعالي بعض الإجراءات التي ربّما ستهدّد بعض مؤسسات القطاع الخاص التي استثمرت لبعث كليات ومدارس تؤوي طلبة تونسيين وأفارقة فأجرينا الحوار التالي مع محمد بوصيري بوعبدلي أحد قيدومي التعليم الخاص...

لقد أصدرت وزارة التعليم العالي قرارا بتاريخ 27 جانفي 2015 معززا بمذكرة توضيحية مؤرخة في 11 فيفري تؤكد تغيير نظام انتداب الطلبة الجدد في المعاهد الخاصة للتكوين الهندسي ابتداء من السنة الحالية ويتمثل في انشاء مناظرات انتداب لهذا السلك التكويني في آن واحد، ثم فرضت الوزارة نسب انتداب في المعاهد الخاصة بصورة تدريجية على مدى ثلاث سنوات تنحدر بموجبها حصة انتداب المعاهد الخاصة من 30 بالمائة في السنة الدراسية 2016/2015 إلى 15 بالمائة في سنة 2018/2017.
أود أن أعبر عن استيائي الشديد إزاء هذا القرار الذي يذكرنا بالأيام الحالكة للنظام القديم، الذي كان يتخذ قرارات اعتباطية ومنافية للمبادئ القانونية الأساسية للبلاد ومن دون أي اعتبار لحقيقة المصلحة العامة وهذا الكلام مركز على الاعتبارات الشرعية والقانونية التي لا نقاش في سلامتها.
لكن للوزارة مبرراتها؟
هذا القرار متناقض مع صريح الأحكام القانونية والترتيبية الجاري بها العمل، فالقانون الحالي، أي القانون المؤرخ في 25 جويلية 2000، المتعلق بالتعليم العالي الخاص، يقول بالحرف الواحد بأنّ انتداب الطلبة في مؤسسات التعليم العالي الخاص يقع على أساس شهادة الباكالوريا أو ما يعادلها ولاغير ولا يضع أي شرط إضافي وكذلك ليس من صلاحيات أية سلطة غير السلطة التشريعية تغيير هذه الشروط ولا الإضافة إليها بأي شكل اخر.
ولهذا فإنّ قرار وزير التعليم العالي، الذي هو سلطة تنفيذية وإدارية يستوجب إلغاءه قضائيا، لعدم مطابقته لصريح الأحكام التشريعية وإنّه من حقي بصفتي صاحب مؤسسة تعليم عال خاص، كمثل كل المؤسسات الخاصة للتعليم العالي الموجودة في البلاد أن أرفع دعوى في تجاوز السطة في هذا المقرر أمام المحكمة الإدارية، وهذا ما فعلته بتاريخ 20 فيفري 2015
لكن هناك اضرابات طلبة الهندسة؟
يجب التذكير بالظروف التي واكبت إصدارهذا القرار الوزاري، فهذا القرار متصل بصفة مباشرة وواضحة بضغوطات طلبة في المدارس العليا للهندسة في الجامعة العمومية لأسباب مهنية بحتة وترمي إلى افتكاك امتيازات غير قانونية وغير شرعية على حساب زملائهم في التعليم العالي الخاص، وإذ ثبت بصفة قطعية أنّ القرار الوزاري وقع إقراره، تحت التأثير المباشر لهذه الاعتصامات والاضطرابات، فإنّه يتضح مع كل أسف، أنّ السيد الوزير تحرك تحت الضغط وإنّه لم يأخذ الوقت اللازم لدراسة هذه المسألة من جميع أوجهها ومع جميع الأطراف حتى يهتدي الى القرار المناسب وإلى تغليب المصلحة العامة على المصالح الفئوية.
وإنّ كلامنا هذا، مرة أخرى، ليس من باب المبالغة ولا من باب الاتهامات الباطلة ضد السلطة الوزارية، وإنّما ينبثق مباشرة من النظر الموضوعي في محتوى القرار الوزاري وانعكاساته السلبية المرتقبة والمؤسفة.
جاء القرار الوزاري بحصر الانتدابات في المدارس الخاصة للهندسة في 30 بالمائة من مجموع الطلبة التونسيين الجدد بالنسبة للسنة الدراسية 2016/2015 ثمّ التدرج بها هبوطا إلى 25 بالمائة للسنة الدراسية 2017/2016 و15 بالمائة بالنسبة للسنة الدراسية 2018/2017 فما هو رأيكم؟
إنّه من الواضح أنّ هذه النسب وقع تحديدها بصفة اعتباطية ومن دون أية دراسة موضوعية لحاجيات البلاد في مجال التكوين الهندسي ولا لقدرة القطاع العمومي على استيعاب هذا القسط الكبير الإضافي من الطلبة الجدد ولا لقدرة ميزانية الدولة على تحمل هذا العبء المالي في الاستثمار والتجهيز الضروريين لاستقطاب هذه الأفواج الجديدة من الطلبة التي سيقع غلق أبواب التعليم العالي الخاص في وجهها.
وليس هذا فقط: فإلى جانب قناعتنا بأن القطاع العمومي لن يكون قادرا على التأطير المناسب لكلّ هؤلاء الطلبة الجديد وأنّه بذلك بات من المحقق تدرج المؤسسات العمومية للتكوين الهندسي إلى انحدار جديد في المستوى التعليمي، بل إنّ السلطة الوزارية، بقرارها المطعون فيه، لم تتفطن الى انعكاس خطير جدا لهذا القرار، وهو يتمثل في أنّه بعد ثلاث سنوات 2016/2015 - 2017/2016 - 2018/2017 - فقط من تنفيذ هذا القرار والهبوط الى نسبة 15 بالمائة من الطلبة الجدد، فإنّ التعليم الهندسي في المؤسسات الجامعية الخاصة سيصبح غير ممكن علميا وعمليا واقتصاديا وسينحدر بالضرورة إلى الاضمحلال والانهيار لكامل وبعبارة أخرى إنّ السيد الوزير، بقراره الاعتباطي المذكور، وكأنّه حكم بصفة قطعية بالانقراض والإفلاس على كامل التكوين الهندسي في الجامعات الخاصة الحالية وإغلاق كل إمكانية لإنشاء معاهد خاصة جديدة للتكوين الهندسي في المستقبل.
هل أردف الوزير نظام المناظرات بنظام إضافي يتمثل، كما قلنا، في فرض الحصص الحصرية في هذه الانتدابات؟
الخطر الأول يتمثل في نظام الحصص: فإنّ هذا النظام يعادل في الكثير في الحالات، الحكم با لإعدام آجلا أو عاجلا على العديد من مسالك التكوين الهندسي في القطاع الخاص، ففي بعض الاختصاصات الهندسية، ينحصر عدد الطلبة في بعض المعاهد الخاصة أو في بعض الأقسام من تلك المعاهد في 20 طالبا، فإذا حكمنا بالتقليص في هذا العدد بـ30 بالمائة ثمّ 25 بالمائة ثمّ 15 بالمائة، فإنّ عدد الطلبة المرخص فيه سينزل إلى 6 في السنة الأولى، ثم 4 في السنة الثانية ثمّ إلى 3 فقط في السنة الثالثة وهذا يعني حتمية غلق هذا المعهد أو الفرع في ذلك المعهد ابتداء من السنة القادمة، مع كل الأضرار المتأتية عن مثل هذا القرار التعسفي.
هل هناك انعكاسات سلبية على القطاعات الأخرى؟
إنّ ما نقوله اليوم في مجال الهندسة، ربما سينجر عنه في يوم الغد نفس الإشكالية ونفس الأزمة ونفس النتائج في القطاعات الأخرى في التعليم العالي الخاص: وأنّه لمن المحتمل أن يأتي الطلبة في قطاع الاقتصاد وفي قطاع الحقوق وغيرها بنفس الاتهامات لاتخاذ نفس القرارات.
وماهو انعكاس هذا القرار على الطلبة الأجانب؟
بعد صدور هذا القرار الوزاري المؤسف، فإنّه بات من المحتمل جدا أنّ هذه البلدان الشقيقة والصديقة ستفقد ثقتها في نظامنا التربوي وستلجأ الى إرسال طلبتها الى بلاد أجنبية أخرى لا تعيش مثل الأزمات والتناقضات الحالية في النظام الجامعي الخاص في تونس، وإنّ هذه الخسارة، إذا ما حلت، فإنّ مفعولها السلبي سيبقى قائما لمدة طويلة جدّا يصعب تدارك عواقبها لفترة طويلة من الزمن.
هل هناك أزمة ثقة بين المستثمرين والوزارة؟
إنّ أزمة الثقة هذه لن تمس عالم الطلبة فقط، بل إنّها ستمتد الى عالم الباعثين والمستثمرين في هذا القطاع الحيوي من الأنشطة العلمية والاقتصادية، سواء كانوا رجال أعمال تونسيين أو أجانب، وإنّ استقرار المحيط التشريعي بما فيه من ضمانات لصيانة الأموال المستثمرة يمثل شرطا أساسيا لبعث المشاريع ولتنميتها، فإذا لم يتحقق هذا الاستقرار، فإنّ الباعث الأجنبي وكذلك الباعث التونسي سيلجآن الى الاستثمار في الخارج.
إنّ القرار الوزاري موضوع الدرس هو بالذات النموذج الخاطئ لمعالجة أزمة النشاط الجامعي في بلادنا ورغم ذلك إنّ القطاع الخاص الجامعي في انتظار حوار جاد.

حاوره: الصحبي بكار